البناء الفني من خلال روايتي "تركي في باريس" (Paris’te Bir Türk) للكاتب التركي "أحمد مدحت أفندي" و"الحي اللاتيني" للأديب اللبناني "سهيل إدريس" (دراسة مقارنة)

تدور روايتي "تركي في باريس" و"الحي اللاتيني" حول قضية مهمة محورها الأنا والآخر، وهي في الأساس انعكاسات لأصداء مجتمعية شهدتها البلدان الشرقية في إطار رؤى مختلفة أظهرتها أبطال الروايتين، ونقلها مؤلفيها.
من خلال الروايتين، صور الراويان الصراع بين الأنا والآخر الذي حمل دوافع اجتماعية وسياسية وثقافية تجسدت في التجارب الإنسانية التي خاضها بطلا الروايتين بلغات مختلفة في مكان واحد وحقبتين زمنيتين مختلفتين، فجاءت بلورة الفكرة في نوعين مختلفين من أنواع الرواية أحدهما: رواية خيالية وتمثله رواية "تركي في باريس" والآخر سيرة ذاتية تمثله رواية "الحي اللاتيني".
صورت رواية "تركي في باريس" بطلها "نصوح أفندي" رمزًا للشرق وقيمه الروحية المقدسة التي حفظت الحقوق وصانت وجودها، وصور "ذكا بك" بشخصية المتفرنج المنبهر بالحضارة الغربية والسعي لتقليدها تقليدًا أعمى دون إعمال العقل. كما صورت بطلتها "فيرجينيا" رمزًا للغرب الذي وجد ضالته في الشرق -متمثلًا في نصوح- وقد دفعها ذلك لأن تصارحه بحبها له ويتفقان على الزواج ثم الانتقال إلى الشرق باعتباره الملاذ الآمن لكليهما.
أما بالنسبة لرواية "الحي اللاتيني" فقد صورت بطلها مجهول الاسم رمزًا للمتفرنج الجائع؛ لكن الجوع لا يمثل خواء البطن عنده؛ إنما كان خواء شهوانيًا خُيل له أنه سيجد في الغرب ما يسد به رمقه، لكنه عاد صفر اليدين لا يحمل سوى شهادة الدكتوراة المسطورة بدمعات بطلة الرواية ورمز الغرب "جانين مونترو" وجنين مجهض رفض والده الاعتراف به. وهو ما جعل الآخر -الغرب- يقع مهيض الجناح أمام الأنا -الشرق- ويملأ أخيلته بأفكار مغلوطة، وفي مفارقة أخرى لإدريس يصور الأنا الملتحم بصراعاته القومية والتي لا ينفصل عنها رغم الحدود الجغرافية ويظل حاملًا رايته في بلاد الآخر حتى ينجح في توصيل أصدائها إلى أهلها.
تشكل البنية الفنية عنصرًا هامًا في الفضاء الروائي وهي عبارة عن عناصر تلتزمها الرواية ولا تخلو منها متمثلة في الوسط أو البيئة والحبكة، والحدث والشخصيات والحوار والأسلوب ولا تنفصل هذه العناصر بطبيعة الحال بعضها عن بعض، وتتفاوت أهمية كل عنصر منها مع طبيعة القصة ولونها الفني