فوبيا التوراة في الثقافة الفلسطينية والبحث العلمي

نوع المستند : البحوث والدِّراسات.

المؤلف

فلسطين

المستخلص

تتقارب وتتباعد النصوص الدينية في مختلف الديانات من حيث مفهوم الإله والطقوس والسلوكيات والأخلاقيات، وهذا التمايز ما بين الديانات هو مبرر وجودها، فلو كانت الديانات جميعها متطابقة بمفاهيمها وتعاليمها لاندمجت وانصهرت كلها في ديانة واحدة، ولما وجد رجال الدين في كل ديانة المادة المناسبة التي ترتكز على الاختلاف لترسيخ ايمان أتباع تلك الديانة والعمل على استقطاب أتباع الديانات الأخرى من خلال العمل على إقناعهم بأن هذا المعتقد صحيح وذاك خطأ وأن الحق هنا والباطل هناك... ولهذا نجد أن النصوص الدينية للآخر ليست مستهدفة بالتعديل أو الإلغاء من طرف رجال الدين، وليست سببا حقيقيا للحرب أو السلم لدى القادة السياسيين، وإنما هي مادة وأداة استخدمها ووظفها رجال الدين والسياسيين كل بطريقته وحسب حاجاته وأهدافه.
لا شك أن ظهور الحركة الصهيونية وتوظيفها التوراة لتشريع احتلال فلسطين، جعل التوراة بكل ما تتضمنه رديفًا للإحتلال لدى غالبية أبناء الشعب الفلسطيني، وجعل الصراع الديني ضمن مفهومهم للصراع مع الاحتلال.
عندما اخرجت الحركة الصهيونية التوراة من سياقها الديني ووظفتها كأداة لتحقيق سياستها العنصرية، أصبحت التوراة فوبيا تثير الخوف الممزوج بالغضب والاستياء والتحفز للنفي والرد لدى الغالبية الفلسطينية، ولم يقتصر هذا على عامة الناس من غير المختصين بالتاريخ والآثار وانما طال أيضا الكثير من الباحثين المؤرخين والآثاريين وأربكهم.
ومن خلال مقارنة نتائج تحليل استبانة هذه الدراسة بنتائج دراسة أُجريت قبل خمس سنوات، لمست تقدمًا طفيفًا لدى المجتمع الفلسطيني في وضع التوراة في سياقها الديني وعدم الإنجرار إلى الصراع الديني، لكن بقيت غالبية المجتمع الفلسطيني تتخوف من التوراة وتظهر العداء لها، بسبب توظيف النصوص التوراتية من طرف الحركة الصهيونية ودولة الاحتلال، وهذا يستوجب مواصلة الجهود التوعوية. أما غالبية المرشدين السياحيين فليس لديهم ذلك التخوف أو العداء للتوراة، وهذا بسبب طبيعة مناهج الإرشاد السياحي التي تقدم التوراة كمادة إرشادية شيِّقة ومحبذه لدى مجموعات السياحة الدينية، في حين نجد أن غالبية المرشدين لا يضعون التوراة في سياقها الديني عند تقديمها ولا يفرقون ما بينها وبين التاريخ، وهذا يستوجب مراجعة وتطوير مناهج الإرشاد السياحي.
للخروج من هذا المأزق بالنسبة للباحثين المؤرخين والآثاريين، يجب وضع التوراة في سياقها التاريخي الصحيح من حيث تأريخ كتابتها ودوافع صياغتها، وأن يتصالحوا مع أنفسهم ومع تاريخهم، وذلك من خلال الفهم العلمي الصحيح لتاريخ فلسطين، وهذا يتحقق فقط من خلال البحث العلمي وعدم الانجرار وراء العواطف الدينية وعدم السماح للإحتلال أن يجرنا الى مربع الصراع الديني. فالتوراة ليست دخيلة علينا وانما كتبها أجدادنا لأسباب تتعلق بظروفهم وطموحاتهم في ذلك الزمان. أما بالنسبة لعامة الناس، فمن أراد أن يعتبر التوراة كتابًا مقدسًا فهذا حقة بشرط أن يبقيها في سياقها الديني ولا يسمح بتوظيفها خارج هذا السياق، ومن أراد أن يعتبرها مزورة فهذا أيضا حقه ولكن عليه احترام من يؤمنون بها، وليس من حقه المساس بحرية المعتقد للآخرين، وأما اليهود الذين جلبتهم الحركة الصهيونية لاحتلال فلسطين فيربطهم بالتوراة المعتقد الديني فقط ولا يربطهم بها عرق او لغة او تاريخ.

الكلمات الرئيسية